الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها
.علاقة الهيمنة بالتصديق: لعلنا - في ضوء ما تقدم - نستطيع أن نقرر أن مفهوم الهيمنة أتم وأشمل من مفهوم التصديق، لأن الهيمنة لا تقتصر على مجرد الشهادة لهذه الكتب بصحة إنزال أصولها، وتقرير أصول شرائعها، بل ِتتعدى ذلك فتبين ما اعتراها من نسخ أو تحريف وما عرض لها من زيف وفساد، فالقرآن بذلك مهيمن على المعاني الصحيحة التي كانت في تلك الكتب وشاهد بكونها من عند الله، وبذلك تتلاقى الهيمنة مع التصديق، ولكنه كذلك يشهد على هذه الكتب بما أصابها من تحريف، وتسرب إليها من باطل، وبه تنفرد الهيمنة عن التصديق، فمفهومها إذا أتم وأشمل من مفهوم التصديق.ولقد نقل القرطبي في تفسيره: أن بعض العلماء قد فسروا الهيمنة بالتصديق، ونقل الآلوسيّ مثله، واستدل هؤلاء على ما ذكروه من تفسير الهيمنة بالتصديق، بقول الشاعر:ثم قال الآلوسي: والعطف حينئذ للتأكيد أي عطف (مهيمنا) على (مصدقا).ولكني أرجح ما ذكرته أولا: لأن تفسير الهيمنة بالتصديق وإن كان مسلما لغة إلا أن قصر الهيمنة على مجرد التصديق تحكم محض إذ هي -على ما بينا- ليست تصديقا فقط، ولا شهادة لهذه الكتب فحسب، بل هي تصديق لما بقي من أصلها، وتكذيب لما عداه، وشهادة لها بصحة إنزال أصولها، وعليها بالتحريف والتبديل وبذلك يكون العطف للتأسيس لا للتأكيد.يقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- بعد أن فسر الهيمنة بالحراسة الأمينة: ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب أن لا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه -فوق ذلك- أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها، وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفى عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب..{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} كما كان من مهمته أن يبين ما ينبغي تبيينه مما كتموه منها. |